فصل: تفسير الآيات (190- 195):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.تفسير الآية رقم (186):

{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)}
{أُجِيبُ دَعْوَةَ الداع} مقيد بمشيئة الله وموافقة القدر، وهذا جواب من قال: كيف لا ييستجاب الدعاء مع وعد الله بالاستجابة {فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي} أي امتثال ما دعوتهم إليه من الإيمان والطاعة.

.تفسير الآية رقم (187):

{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)}
{أُحِلَّ لَكُمْ} الآية: كان الأكل والجماع محرّماً بعد النوم في ليل رمضان، فجرت لذلك قصة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه والصرمة بن مالك، فأحلهما الله تخفيفاً على عباده {الرفث} هنا الجماع، وإنما تعدّى بإلى لأنه في معنى الإفضاء {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ} تشبيه بالثياب، لاشتمال كل واحد من الزوجين على الآخر، وهذا تعليل للإباحة {تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ} أي تأكلون وتجامعون بعد النوم في رمضان {فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ} أي غفر ما وقعتم فيه من ذلك، وقيل: رفع عنكم ذلك الحكم {باشروهن} إباحة {مَا كَتَبَ الله لَكُمْ} قيل: الولد ينبغي بالجماع، وقيل: الرخصة في الأكل والجماع لمن نام في ليل رمضان بعد منعه {مِنَ الفجر} بيان للخيط الأبيض لا للأسود؛ لأنّ الفجر ليس له سواد، والخيط هنا استعارة: يراد بالخيط الأبيض بياض الفجر، وبالخيط الأسود: سواد الليل، وروي أن قوله من الفجر: نزل بعد ذلك بياناً لهذا المعنى، لأنّ بعضهم جعل خيطاً أبيض وخيطاً أسود تحت وسادته، وأكل حتى تبين له، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إنما هو بياض النهار وسواد الليل {إِلَى الليل} أي إلى أوّل الليل، وهو غروب الشمس. فمن أفطر قبل ذلك فعليه القضاء والكفارة، ومن شك هل غربت أم لا فأفطر، فعليه القضاء والكفارة أيضاً وقيل القضاء فقط، وقالت عائشة رضي الله عنها: {إلى الليل} يقتضي المنع من الوصال، وقد جاء ذلك في الحديث {وَلاَ تباشروهن} تحريم للمباشرة حين الاعتكاف، قال الجمهور: المباشرة هنا الجماع فما دونه، وقيل الجماع فقط، {فِي المساجد} دليل على جواز الاعتكاف في كل مسجد؛ خلافاً لمن قال: لا اعتكاف إلاّ في المسجد الحرام، ومسجد المدينة، وبيت المقدس: وفيه أيضاً دليل على أن الاعتكاف لا يكون إلاّ في المساحج، لا في غيرها خلافاص لمن أجازه في غيرها من مفهوم الآية {حُدُودُ الله} أحكامه التي أمر بالوقوف عندها {فَلاَ تَقْرَبُوهَا} أي لا تقربوا مخالفتها، واستدل بعضهم به على سدّ الذرائع؛ لأنّ المقصود النهي عن المخالفة للحدود لقوله: {تِلْكَ حُدُودُ الله فَلاَ تَعْتَدُوهَا} [البقرة: 229]، ثم نهى هنا عن مقاربة المخالفة سدّاً للذريعة.

.تفسير الآية رقم (188):

{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)}
{وَلاَ تأكلوا أموالكم} أي يأكل بعضكم مال بعض {بالباطل} كالقمار، والغصب، وجحد الحقوق وغير ذلك {وَتُدْلُواْ} عطف على: لا تأكلو، أو نصب بإضمار أن وهو مِن: أدلى الرجل بحجته إذا قام بها، والمعنى: نهى عن أن يحتج بحجة باطلة، ليصل بها إلى أكل مال الناس، وقيل: نهى عن رشوة الحكام بأموال للوصول إلى أكل أموال الناس، فالباء على الأوّل سببية، وعلى الثاني للإلصاق {بالإثم وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} الباء سببية أو للمصاحبة، والإثم على القول الأوّل في تدلوا: إقامة الحجة الباطلة كشهادة الزور، والأيمان الكاذبة، وعلى القول الثاني: الرشوة.

.تفسير الآية رقم (189):

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189)}
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهلة} سببها أنهم سألوا عن الهلال، وما فائدته ومخالفته لحال الشمس، والهلال ليلتان من أوّل الشهر، وقيل: ثلاث، ثم يقال له قمر {مواقيت} جمع ميقات لمحل الديون والأكريه والقضاء والعدد وغير ذلك. ثم ذكر الحج اهتماماً بذكره، وإن كان قد دخل في المواقيت للناس {وَلَيْسَ البر} الآية: كان قوم إذا رجعوا من الحج لم يدخلوا بيوتهم من أبوابها، وإنما يدخلون من ظهورها، ويقولون: لا يحول بيننا وبين السماء شيء فنزلت الآية: إعلاماً بأنّ ذلك ليس من البر، وإنما ذكر ذلك بعد ذكر الحج لأنه كان عندهم من تمام الحج، وقيل: المعنى ليس البر أن تسألوا عن الأهلة وغيرها مما لا فائدة لكم فيه، فتأتون الأمور على غير ما يجب، فعلى هذا البيوت وأبوابها وظهورها استعارة: يراد بالبيوت المسائل، وبظهورها السؤال عما لا يفيد، وأبوابها السؤال عما يحتاج إليه {البر مَنِ اتقى} تأويله مثل البر من آمن.

.تفسير الآيات (190- 195):

{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)}
{الذين يقاتلونكم} كان القتال غير مباح في أوّل الإسلام، ثم أمر بقتال الكفار الذين يقاتلون المسلمين دون من لم يقاتل، وذلك مقتضى هذه الآية، ثم أمر بقتال جميع الكفار في قوله: {قَاتِلُواْ المشركين كَآفَّةً} [التوبة: 36] {واقتلوهم حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم} فهذه الآية منسوخة، وقيل: إنها محكمة وأنّ المعنى: قالوا الرجال الذين هم بحال من يقاتلونكم، دون النساء والصبيان الذي لا يقاتلونكم، والأوّل أرجح وأشهر {وَلاَ تعتدوا} أي بقتال من لم يقاتلكم على القول الأول، وبقتال النساء والصبيان على القول الثاني {وَأَخْرِجُوهُمْ مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ} أي من مكة، لأن قريشاً أخرجوا منها المسلمين {والفتنة أَشَدُّ مِنَ القتل} أي فتنة المؤمن عن دينه أشدّ عليه من قتله، وقيل: كفر الكفار أشدّ من قتل المؤمنين لهم في الجهاد {عِنْدَ المسجد الحرام} منسوخ بقوله: حيث وجدتموهم، وهذا يقوّي نسخ الذين يقاتلونكم {فَإِنِ انتهوا} عن الكفر فأسلموا بدليل قوله: {غَفُورٌ رَّحِيمٌ} وإنما يغفر للكافر إذا أسلم {لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} أي لا يبقى دين كفر {الشهر الحرام} الآية: نزلت لما صدّ الكفار النبي صلى الله عليه وسلم عن دخول مكة للعمرة، عام الحديبية في شهر ذي الحجة، فدخلها في العام الذي بعده في شهر ذي القعدة، أي: الشهر الحرام الذي دخلتم فيه مكة بالشهر الحرام الذي صددتم فيه عن دخولها {والحرمات قِصَاصٌ} أي حرمة الشهر والبلد حين دخلتموها قصاص بحرمة الشهر، والبلد حين صددتم عنها {فاعتدوا عَلَيْهِ} تسمية للعقوبة باسم الذنب، أي: قاتلوا من قاتلكم، ولا تبالوا بحرمة من صدّكم عن دخول مكة {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التهلكة} قال أبو أيوب الأنصاري: املعنى لا تشتغلوا بأموالكم عن الدهاد، وقيل: لا تتركوا النفقة في الجهاد خوف العيلة وقيل: لا تقنطوا من التوبة، وقيل: لا تقتحموا المهالك، والباء في بأيديكم زائدة، وقيل: التقدير؛ لا تلقوا أنفسكم بأيديكم.

.تفسير الآية رقم (196):

{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196)}
{وَأَتِمُّواْ الحج والعمرة للَّهِ} أي: أكملوهما إذا ابتدأتم عملهما، قال ابن عباس: إتمامها إكمال المناسك. وقال عليّ: إتمامهما؛ أن تحرم بهما من دارك، ولا حجة فيه لمن أوجب العمرة؛ لأن الأمر إنما هو بالإتمام لا بالابتداء {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} المشهور في اللغة: أحصره المرض، بالألف، وحصره العدوّ. وقيل: بالعكس، وقيل: هما بمعنى واحد، فقال مالك: أحصرتم هنا بالمرض على مشهور اللغة، فأوجب عليه الهدي ولم يوجبه على من حصره العدوّ، وقال الشافعي وأشهب: يجب الهدْيُ على من حصره العدو، وعمل الآية على ذلك، واستدلا بنحر النبي صلى الله عليه وسلم الهدْيَ بالحديبية، وقال أبو حنيفة: يجب الهدي على المحصر بعدوّ وبمرض {فَمَا استيسر} أي فعليكم ما استيسر من الهدي وذلك شاه، {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ} خطاباً للمحصر وغيره {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً} الاية: نزلت في كعب بن عجرة حين رآه النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: لعلك يؤذيك هوامّ رأسك: احلق رأسك، وصم ثلاثة أيام وأطعم ستة مساكين أو أنسكْ بشاة، فمعنى الآية: أن من كان الحج واضطره مرض أو قمل إلى حلق رأسه قبل يوم النحر؛ جاز له حلقه؛ وعليه صيام أو صدقة أو نسك حسبما تفسر في الحديث، وقاس الفقهاء على حلق الرأس سائر الأشياء التي يمنع الحاج منها إلاّ الصيد، والوطء، وقصر الظاهرية ذلك على حلق الرأس، ولابد في الآية من مضمر لا ينتقل الكلام عنه، وهو المسمى فحوى الخطاب، وتقديرها: فمن كان منكم مريضاً أو به أذلا من رأسه فحلق رأسه فعليه فدية {فَإِذَآ أَمِنتُمْ} أي من المرض على قول مالك، ومن العدوّ على قول غيره، والمعنى: إذا كنتم بحال أمن سواء تقدم مرض أو خوف عدوّ أو لم يتقدم {فَمَن تَمَتَّعَ بالعمرة إِلَى الحج} التمتع عند مالك وغيره: هو أن يعتمر الإنسان في أشهر الحج، ثم يحج من عامه، فهو قد تمتع بإسقاط أحد السفرين للحج أو العمرة، وقال عبد الله بن الزبير: التمتع هو أن يحصر عن الحج بعدوّ حتى يفوته الحج، فيعتمر عمرة يتحلل بها من إحرامه، ثم يحج من قابل قضاء لحجته، فهو قد تمتع بفعل الممنوعات، من الحج، في وقت تحلله بالعمرة إلى الحج القابل، وقيل: التمتع هو قران الحج والعمرة {فَمَا استيسر مِنَ الهدي} شاة {ثلاثة أَيَّامٍ فِي الحج} وقتها؛ من إحرامه إلى يوم عرفة فإن فاته صام أيام التشريق {إِذَا رَجَعْتُمْ} إلى بلادكم أو في الطريق {تِلْكَ عَشَرَةٌ} فائدته أن السبع تصام بعد الثلاثة فتكون عشرة، ورُفع لئلا يتوهم أن السبعة بدل من الثلاثة، وقيل: هو مثل الفذلكة وهو قول الناس بعد الأعداد فذلك كذا، وقيل: كاملة في الثواب {لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المسجد الحرام} يعني غير أهل مكة وذي طوى بإجماع، وقيل: أهل الحرم كله، وقيل: من كان دون الميقات، وقوله: ذكل. إشارة إلى الهدي أو الصيام: أي إنما يجب الهدي أو الصيام بدلاًمنه على الغرباء، لا على أهل مكة، وقيل: ذلك إشارة إلى التمتع.

.تفسير الآية رقم (197):

{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197)}
{الحج أَشْهُرٌ} التقدير: أشهر الحج أشهر، أو الحج في أشهر وهي: شوّال، وذو القعدة، وذو الحجة، وقيل: العشر الأول منه، وينبني على ذلك أن من أخر طواف اففاضة إلى آخر ذي الحجة: فعليه دم على القول بالعشر الأول، ولا دم عليه على قول بجميع الشهر، واختلف فيمن أحرم بالحج قبل هذه الأشهر، فأجازه مالك على كراهة. ولم يجزه الشافعي وداود لتعيين هذا الاسم كذلك؛ فكأنها كوقت الصلاة {فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحج} أي ألزم بالحج نفسه {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ} الرفث: الجماع، وقيل الفحش من الكلام، والفسوق: المعاصي، والجدال: المراء مطلقاً، وقيل: المجادلة في مواقيت الحج، وقيل: النسيء الذي كانت العرب تفعله {وَتَزَوَّدُواْ} قيل: احملوا زاداً في السفر، وقيل: تزوّدوا للاخرة بالتقوى، وهو الأرجح لما بعده.

.تفسير الآيات (198- 199):

{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199)}
{فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ} أي التجارة في أيام الحج أباحها الله تعالى، وقرأ بان عباس: فضلاً من ربكم في مواسم الحج {أَفَضْتُم} اندفعتم جملة واحدة {مِّنْ عرفات} اسم علم للموقف، والتنوين فيه في مقابلة النون في جمع المذكر لا تنوين صرف، فإن فيه التعريف والتأنيث {المشعر الحرام} أي المزدلفة، والوقوف بها سنة {كَمَا هَدَاكُمْ} الكاف للتعليل {وَإِن كُنْتُمْ} إن مخففة من الثقيلة، ولذلك جاء اللام في خبرها {مِّن قَبْلِهِ} أي من قبل الهُدى {ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ الناس} فيه قولان: أحدهما: أنه أمر للجنس وهم قريش ومن تبعهم كانوا يقفون بالمزدلفة لأنها حرم، فأمرهم الله تعالى ان يقفوا بعرفة مع الناس ويفيضوا منها، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك يقف مع الناس بعرفة؛ توفيقاً من الله تعالى له، والقول الثاني: أنها خطاب لجميع الناس، ومعناها: أفيضوا من المزدلفة إلى منى، فثم: على هذا القول على بابها من الترتيب، وأما على القول الوّل فليست للترتيب، بل للعطف خاصة، قال الزمخشري: هي كقولك: أحسن إلى الناس، ثم لا تحسن إلى غير كريم، فإن معناها التفاوت بين ما قبلها وما بعدها وأن ما بعدها أوكد.

.تفسير الآيات (200- 202):

{فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202)}
{فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَّنَاسِكَكُمْ} فرغتم من أعمال الحج {كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ} لأن الإنسان كثيراً ما يذكر آباءه، وقيل: كانت العرب يذكرون آباءهم مفاخرة عند الجمرة، فأمروا بذكر الله عوضاً من ذلك {آتِنَا فِي الدنيا} كان الكفار إنما يدعون بخير الدنيا خاصة، لأنهم لا يؤمنون بالآخرة {حَسَنَةً} قيل: العمل الصالح وقيل: المرأة الصالحة {وَفِي الآخرة حَسَنَةً} الجنة {نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ} يحتمل أن تكون من سببية أي لهم نصيب من الحسنات التي اكتسبوها، والنصيب على هذا الثواب {سَرِيعُ الحساب} فيه وجهان: أحدهما أن يراد به سرعة مجيء يوم القيامة، لأن الله لا يحتاج إلى عدّة ولا فكرة وقيل لعليّ رضي الله عنه: كيف يحسب الله الناس على كثرتهم؟ قال كما يرزقهم على كثرتهم.

.تفسير الآية رقم (203):

{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203)}
{في أَيَّامٍ معدودات} ثلاثة بعد يوم النحر، وهي أيام التشريق، والذكر فيها: التكبير في أدبار الصلوات، وعند الجمار وغير ذلك {فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ} أي انصرف في اليوم الثاني من أيام التشريق {وَمَن تَأَخَّرَ} إلى اليوم الثالث فرمى فيه بقية الجمار، وأما المتععجل فقيل: يترك رمي الجمار اليوم، وقيل: يقدّمها في اليوم الثاني {فلا إِثْمَ عَلَيْهِ} في الموضعين، قيل إنه إباحة للتعجل والتأخر، وقيل: إنه إخبار عن غفران الإثم وهو الذنب للحاج، سوءا عجل أو تأخر {لِمَنِ اتقى} أما على القبأننى: فلا إثم عليه الإباحة، فالمعنى ان الإباحة في العجل والتأخر لمن اتقى ان يأثم فيهما، فقد أبيح له ذلك من غير إثم، وأمّا على القول: بأن معنى فلا إثم عليه إخبار بغفران الذنوب، فالمعنى أن الفغران إنما هو لمن اتقى الله في حجه، كقوله صلى الله عليه وسلم: «من حج هذا البيت، فلم يرفث، ولم يفسق: خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» فاللام متعلقة إمّا بالغفران أو بالإباحة المفهومين من الآية.